Admin Admin
عدد المساهمات : 1334 نقاط : 30779 تاريخ التسجيل : 30/10/2010 العمر : 47
| موضوع: مقالات وخطب مقال تحت تأليف وبعنوان : ابن تيمية: بيان استقامة طريق تفسير القرآن بالأثر، وأنه لا طريق يقوم مقامها الجمعة 22 فبراير - 12:38 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخل والمرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم ( سبحان الله وبحمده سبحان الله ) اللهم اتنا فى الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنه وقنا عذاب النار ) لكل قارىء ان اعجبك المقال فبرجاء الدعاء لى بسعادة الدارين الدنيا والاخره بظهر الغيب ربما يصيبك شيء من دعوتك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
” وذلك من طريقين: أحدهما بيان استقامة هذه الطريق، والثاني بيان أنه لا طريق يقوم مقامها، فيتعين
فأما الأول فمن وجوهٍ:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لأصحابه القرآنَ لفظَه ومعناه جميعًا، فإن البيان لا يحصل بدون هذا، وقد قال تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل/ 4]، وقال: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران/ 138]. ولو خاطبهم بلفظٍ لم يفهموا معناه لم يكن ذلك بيانًا. وقد امتنَّ عليهم في غير موضع بكونه أرسله بلسان عربي وأنه يسَّره عليهم بذلك، فقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف/ 2]، فهل يعقلونه إذا لم يعرفوا اللفظ؟ وكذلك: {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [الدخان/ 58]، فكيف يتذكر من لا يفهم الكلام؟ قال: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت/ 44] أي أقرآن أعجمي ونبي عربي أو مخاطب عربي! فدلَّ على أنه فصَّل آياتِه، والتفصيل التبيينُ المنافي للإجمال، فلو كانت آياتُه مجملةً لم يُفهم معناها لم تكن آياتُه قد فُصِّلت، والتفصيل إنما يكون للبيان والتمييز الذي يزول معه الاشتباه والاشتراك والإجمال المنافي لفهم المراد بالخطاب، وإن كان المعنى المفهوم قد يحصل بينه وبين معنى آخر مشابهةٌ ومشاركةٌ تمنع إدراك حقيقته التي لا تُفهم بمجرد اللفظ. وقد قال الله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت/ 18]، وإذا كان المخاطبون لم يفهموا معنى كلامه لم يكن قد بلَّغَهم بلاغًا مبينًا، ومن قال ذلك فلم يشهد له بالبلاغ.
وهذا حال هؤلاء الذين يزعمون أنه لم يُعرَف من جهتِه معاني القرآن، فإنهم يقولون: لم يُبيِّن ولم يُبلِّغ، وإن كانوا يقولون ما يستلزم ذلك ولم يفهموه، ففيهم من يعرف أنه حقيقة قولهم ويقول: إن معاني هذه الألفاظ لم يُبيِّنها، إما لأن المصلحة كانت كتمانها، وإما لأنه هو لا يعرفها. فمن الزنادقة من يقول هذا، ومنهم من يقول هذا.
وأما الذين شاهدوه فقد شهدوا له بالبلاغ، ونحن نشهد بما شهِد به إخواننا الذين سبقونا بالإيمان، فإنه بلَّغ البلاغَ المبين، وعبدَ الله حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله أجمعين. ولهذا قال أبو عبد الرحمن السُّلمي أحد أكابر التابعين: حدثنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآنَ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما – أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشرَ آياتٍ لم يُجاوِزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.
وإذا عُلِمَ أن الصحابة أخذوا عن الرسول لفظَ القرآن ومعناه، بل كانوا يأخذون عنه المعاني مجردةً عن ألفاظِه بألفاظٍ أُخَر، كما قال جُندب بن عبد الله البَجَلي وعبد الله بن عمر: تعلَّمنا الإيمانَ ثم تعلَّمنا القرآن، فازددنا إيمانًا. فكان يُعلِّمهم الإيمانَ، وهو المعاني التي نزل بها القرآن من المأمور به والمخبَر عنه المتلقَّى بالطاعة والتصديق، وهذا حق، فإن حفاظ القرآن كانوا أقلَّ من عموم المؤمنين، فعُلِمَ أن بيانَ معانيه لهم كان أعمَّ من بيان ألفاظه.
ومن هذا الباب صاروا يروون عنه الأحاديث التي ليست ألفاظها ألفاظَ القرآن، لأنه قد كان يُبيِّن لهم معانيَ كثيرةً بغير ألفاظِ القرآن، وذلك هو حديثه. فإذا كان الصحابة قد تلقَّوا عن نبيهم لفظَ القرآن ومعناه لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد، فالمنقول عن الصحابة من معاني القرآن كان في ذلك كالمنقول عنهم من حروفِه سواءً بسواءٍ، وإن تنازعَ بعضُهم في بعض معانيه فذلك كما قد يتنازعون في بعض حروفه، وكما قد تنازعوا في بعض السنة لخفائها عن بعضهم، إذ لم يكن كلٌّ منهم تلقَّى من نفس الرسولِ جميعَ القرآن وجميعَ السنة، بل كان بعضهم يُبلِّغ بعضًا القرآنَ لفظَه ومعناه، والسنةَ، كما قال البراء بن عازب: ليس كلُّ ما نُحدِّثكم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يَكْذِب بعضُنا بعضًا. ولهذا ما يذكره ابنُ عباس من الحديث في القرآن والسنة تارةً يَذكُر من سمعه من الصحابة، وتارةً يُرسِلُه، لكثرةِ من سمعه منه، وبعض ذلك قد سمعه منه، فأما ما كان قبل الهجرة من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وما نزل فيه من القرآن من ذلك فلم يَشهَدْه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وابنُ عباسٍ مُراهق، وكان عند الهجرة صغيرًا جدًّا.
الوجه الثاني: أن الله تعالى أنزل على نبيِّه الحكمةَ كما أنزلَ عليه القرآن، وامتنَّ بذلك على المؤمنين، وأمرَ أزواجَه بذكرِ ذلك، وقد بلغَ ذلك الصحابةَ كما بلغَهم القرآنُ، فلا يحتاجون في ذلك إلى أحدٍ. والحكمة هي السنة كما قال ذلك غيرُ واحدٍ من السلف، وذلك أنه قال: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب/ 34 ]، فما يُتلَى غير القرآن في بيوتهن هو السنة، إذ المراد بالسنة هنا هو ما أُخِذ عن الرسول سوى القرآن، كما قال في غير حديث: «ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه» وفي لفظٍ: «ألا إنه مثلُ القرآن وأكثر». ولهذا ذمّ المتخلف عن طلب السنة المكتفي بالقرآن فقال: «لا أُلْفِينَّ أحدَكم متكئًا على أريكتِه يأتيه الأمرُ من أمري مما أَمَرْتُ به أو نَهيتُ عنه فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا من حلالٍ أحللناه، وما وجدنا من حرام حرَّمناه، ألا وإني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه». وهذا المعنى قد استفاض عنه من وجوهٍ متعددةٍ من حديث المقدام بن معدي كرب وأبي ثعلبة الخُشَني وأبي هريرة وأبي رافع وغيرِهم، وهو من مشاهير أحاديث السنن والمساند المتلقاة بالقبول عند أهل العلم.
الوجه الثالث: أن بعض الناس لو قرأ مصنفات الناس [في] الطبّ والنحو والفقه والأصول، أو لو قرأ بعض قصائد الشعر، لكان من أحرصِ الناسِ على فهم معنى ذلك، ولكان من أثقل الأمور عليه قراءة كلامٍ لا يفهمه. فإذا كان السابقون يعلمون أن هذا كلامُ الله وكتابه الذي أنزل إليهم وهداهم به وأمرَهم باتباعه، أفلا يكونون من أحرص الناس على فهمِه ومعرفةِ معناه، من جهة العادة العامة وعادتهم الخاصة، ومن جهة دينهم وما أمرهم الله به من ذلك؟ ولم يكن للصحابة كتابٌ يدرسونه وكلامٌ محفوظٌ يتفهَّمون فيه يكتبونه إلّا القرآن. لم يكن الأمر عندهم مثل ما هو في المتأخرين أن قومًا يقرأون القرآن ولا يفهمونه، وآخرون يتفهمون في كلام آخرين، وآخرون يشتغلون بعلوم أُخَر، بل كان القراء عندهم أهل العلم المحفوظ، وذلك اسمٌ معروفٌ لهم. وهذا مما يُوجِب العلمَ بحرصهم على فهم معناه، وإذا كانوا حِرَاصًا والرسولُ بين أظهرهم فمن الممتنع أن يكونوا يرجعون إلى غيره في بيانِ معانيه وتفصيل مجملِه وبيان متشابهه، فعُلِم أنهم أخذوا عن الرسول بيانَ معاني آيات القرآن التي يقال: إنها مشكلةٌ أو مجملةٌ.
الوجه الرابع: أن أصحابه المعروفين هم الذين نزل القرآن بلغتهم، فإن لغاتِ العرب وإن اشتركت في جنس العربية فبينها افتراق في مواضع كثيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم لما خاطب أهلَ اليمن كتب إليهم بلغةٍ هي غريبة بالنسبة إلى لغة قريش، والقرآن نزل بلغة قريشٍ ونحوِهم من أهل الحاضرة والبادية، وأولئك هم خواصُّ أصحابه، فلا يحتاجون في معرفة لغتهم وعادتهم في خطابهم إلى شعر شاعر غيرهم، فضلًا عمن يكون حدثَ بعدَهم.
الوجه الخامس: أن الصحابة سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الكثيرة، ورأوا منه من الأحوال، وعلموا بقلوبهم من الأمور ما يُوجب لهم من فهم ما أراد بكلامه ما يتعذرُ على من بعدهم. فليس من سمع ورأى وعلم حالَ المتكلم كمن كان غائبًا، ولم يرَ ولم يسمع منه، ولكن علم بعض أحواله وسمع بواسطةٍ. وإذا كان الصحابة سمعوا لفظه وفهموا معناه كان الرجوع إليهم في ذلك واجبًا متعينًا، ولم يُحتَجْ مع ذلك إلى غيرهم. ولهذا قال الإمام أحمد: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا كان اعتقاد الفرقة الناجية هو ما كان عليه وأصحابه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الفرقة الناجية: «هو ما كان على مثلِ ما أنا عليه وأصحابي»، أو قال: «ما أنا عليه اليومَ وأصحابي».
فثبتَ بهذه الوجوه القاطعة أن الرجوع في تفسير القرآن – الذي هو تأويله الصحيح المبيِّن لمراد الله تعالى به – إلى الصحابة هو الطريق الصحيح المستقيم، وأن ما سواه إمّا أن يُخطئ بصاحبه، وإما أن يكون دونَه في الإصابة. ولهذا نصَّ الإمام أحمد على أنه يُرجَع إلى الواحد من الصحابة في تفسير القرآن إذا لم يخالفه منهم أحدٌ. ثم من أصحابه من يقول: هذا قول واحد، وإن كان في الرجوع في الفتيا في الأحكام إليه روايتان. ومنهم من يقول: الخلاف في الموضعين واحد.
ثم نعلم أن الصحابة إذا كانوا حفظوا فالتابعون لهم بإحسانٍ الذين أخذوا عنهم وتَلقَّوا منهم لا يجوز أن يكونوا عَدَلوا في ذلك عما بلَّغَهم إيَّاه الصحابة، لا يجوز ذلك في العادة العامة، ولا في عادةِ القوم وما عُرِف من عقلهم ودينهم، مع ما علموه من وجوب ذلك عليهم في دينهم. فإذا كان هذا يُوجِب الرجوعَ إلى الصحابة والتابعين فكيف بالأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وأما الطريق الثاني فمن وجوهٍ:
أحدها: أن نقول: [من] لم يَرجعْ إلى الصحابة والتابعين في نقل معاني القرآن وما [يُراد] بها كما رجع إليهم في نقل حروفه وإلى لغتهم وعادتهم في خطابهم، فلا بدّ أن يرجع في ذلك إلى لغة مأخوذة عن غيرهم، لأن فهم الكلام موقوف على معرفة اللغة، وغايته أن يباشر عربًا غيرهم، فيسمع لغتهم ويَعرِف مقاصدهم، ويقيس معاني ألفاظ القرآن على معاني تلك الألفاظ. وهذا إنما يصح إذا سَلِمَ اللفظُ من كلام العربي هذا ويَسْلَم في القرآن أيضًا من احتمال المعاني المختلفة لمجازٍ واشتراك، وإلّا فمتى كان اللفظ من أحدهما دون الآخر دالًّا على معنى آخر بطريق الاشتراك والمجاز لم يكن المراد من أحد المتكلمين به مثل المراد به من المتكلم الآخر، فغايته فيه القياس، وهو موقوف على اتحاد معنى اللفظين.
ثم من المعلوم أن جنس ما دلَّ على القرآن ليس من جنس ما يتخاطب به الناس في عادتهم، وإن كان بينهما قدرٌ مشترك، فإن الرسول جاءهم بمعانٍ غيبية لم يكونوا يعرفونها، وأمرَهم بأفعالٍ لم يكونوا يعرفونها، فإذا عبّر عنها بلغتهم كان بين ما عناه وبين معاني تلك الألفاظ قدرٌ مشترك، ولم تكن مساويةً لها، بل تلك الزيادة التي هي من خصائص النبوة لا تُعرَف إلّا منه. فعُلِمَ أن عامة من يأخذُ معاني القرآن من اللغة التي سمعها من العرب العرباء وباشرَهم فيها أن يكون قائسًا قياسًا يحتمل الضدَّ، وأن يكون ما فاتَه من الفارق أعظمَ مما أدركَه بالجامع، وهذا برهان واضح، ولهذا كانوا يقولون ما ذكره عبد الرزاق في تفسيره عن ابن عباس أنه قال: التفسيرُ على أربعة أوجه: تفسير تعرفه العرب من كلامها، وتفسير تَعْلَمه العلماءُ، وتفسيرٌ لا يُعذَر أحدٌ بجهله، وتفسيرٌ لا يعلمه إلّا الله، ومن ادَّعى عِلْمَه فقد كذب.
الوجه الثاني: أن الدرجة الثانية أن يسمعَ اللغة ممن نقل الألفاظ عن العرب نظمًا ونثرًا، وكل ما تعتري نقلَ الحديث من الآفات فهو هنا أكثر، وهذا أمر معلومٌ لمن كان خبيرًا بالواقع، فيكون نقل ألفاظ اللغة ثم معرفة مرادِهم من تلك الألفاظ يَرِدُ عليه أكثر مما يَرِدُ على معرفة مراد الرسول، لأن معرفة مراد الرسول توفرت عليها الهِممُ والدواعي، وصانَه الله فهو محفوظٌ بحفظ الله ثم بالعادة العامة والخاصة، أكثر من معرفة مراد شاعرٍ مادحٍ أو رَاثٍ أو هاجٍ أو مُشبِّبٍ أو واصفِ ناقةٍ أو امرأةٍ أو فلاةٍ أو مفتخرٍ.
الوجه الثالث: أن الدرجة الثالثة أن يسمع اللغة ممن سمعَ الألفاظ، وذكر أنه فهم معناها من العرب، كالأصمعي فيما سمعه من الأعراب وذكر أنه فهم معناه. ومن هذا الباب كتب اللغة التي يذكرون فيها معانيَ كلامِ العرب بألفاظ المصنفين، ومعلومٌ أن هذا يَرِدُ عليه أكثر مما يَرِدُ على من سمع الكلام النبوي من صاحبه وقال: إنه فهم معناه، وبيَّنه لنا بعبارته.
الوجه الرابع: أن ينقل له كلام هؤلاء الذين ذكروا أنهم سمعوا كلامَ العرب، ومن المعلوم أنه يَرِدُ على هذا من الأسولة أكثر مما يَرِدُ على نقل
لحديث.
الوجه الخامس: أن الدرجة الخامسة أن يُعلَّمَ اللغةَ بقياسٍ نحوي أو تصريفيٍّ قد يدخلُه تخصيصٌ لمعارضٍ را جح، وقد يكون فيه فرقٌ لم يتفطَّن له واضع القياس القانوني. ومن المعلوم أن هذا يَرِدُ عليه أكثر مما يَرِدُ على من تعلَّم المعاني الشرعية من القواعد الكلية التي وضعها الفقهاء.
وإذا كان الأمر كذلك فمن لم يأخذ معاني الكتاب والسنة من الصحابة والتابعين ومن أخذ عنهم لم يكن له طريقٌ أصلًا إلّا ما يَرِدُ عليه من الآفاتِ أضعافُ ما يَرِدُ على هذه الطريق، فلا يجوز له ترجيحُ غيرها عليها، فيكون أحد الأمرين لازمًا له:
إما أن يَستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويَعدِلَ عن الطريق التي فيها من العلوم اليقينية والأمور الإيمانية والاعتقادات الراجحة والظنون الغالبة ما لا يوجد في غيرها إلى ما هو دونها في ذلك كلِّه، بل يَستبدل باليقين شكًّا وبالظنّ الراجح وهمًا، ويستبدل بالإيمان كفرًا وبالهدى ضلالة، وبالعلم جهلًا، وبالبيان عِيًّا، وبالعدل ظلمًا، وبالصدق كذبًا، وبالإيمان بكتب الله وبكلماتِه تحريفًا عن مواضعها.
وإما أن يُعرِضَ عن ذلك كلِّه، ولا يجعلَ للقرآن معنًى مفهومًا، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف/ 2] فلا يَعقِله، وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء/ 82] فلا يتدبره، وقال: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ} [ص/ 29]. فلا يتدبر ولا يتذكر، وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت/ 43] فلا يكون من العالمين العاقلين لها. وإذا سلكَ هذا لمسلك استطار شررُه وتعدَّى ضررُه، فيلزمُ تعطيلُ معاني الكتاب والسنة وفتورُ الرسالة، إذ الرسول الذي لم يُبيِّن بمنزلة عدم الرسول، والكلامُ الذي بلَّغَه الرسولُ ولم يُعقَل معناه يَدخُل في حدِّ الأصوات المسموعة التي ليس فيها حروفٌ مُبيِّنةٌ للمعاني.
وقد ذمَّ الله تعالى من كان حالُه في كتابه هكذا، وجعلهم كفَّارًا بمنزلة الأموات، وحَمِدَ من سَمِعَ كلامَه فعَقَلَه ووعاه، وجعل ذلك صفة المؤمن الحيّ، فقال: {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [البقرة/ 171]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [الفرقان/ 73] وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد/ 24]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [الأنعام/ 36]، وقال تعالى: {أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} [الزخرف/ 40]، وقال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة/ 7]، وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد/ 16]، وقال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء/ 155].
وإذا كان من عَدَلَ عما فسَّر به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه والتابعون القرآنَ فأحدُ الأمرين لازمٌ له: إمّا أن يَعْدِلَ إلى تفسيره بما هو دون ذلك، فيكون محرِّفًا للكلم عن مواضعه، وإمّا أن يبقَى أصمَّ أبكمَ لا يسمعُ من كلام الله ورسوله إلّا الصوتَ المجرَّد الذي يَشْرَكُه فيه البهائمُ ولا يَعقِلُه.
وكلٌّ من هذين الأمرين باطلٌ محرَّمٌ ؛ ثبتَ تعيُّنُ الطريقة النبوية السلفية وبطلانُ الطريقة التحريفية والأمِّيَّة، فالتحريفية لها الجهلُ المركّب والكفر المركَّب، والأمية لها الجهلُ البسيط والكفر البسيط” اهـ.
[ المصدر: جواب الاعتراضات المصرية على الفتيا الحموية، ابن تيمية، ص 10- 20 ].
المقالات الاسلاميه المتنوعه والمأخوذه من موقع شبكة سحاب السلفيه من رأى مخالفة شرعيه للمقالات فليخبرنا بتعليق ربما يجعله الله فى ميزان حسناته ويتغمده الله برحمته
| |
|